ذات يوم و في مساء هادئ، وشمسُ المغيب تأذن بالرحيل لتتوارى في أعماق البحر المتوسط ..وفي لحظة خاطفة حبستالشمس أنفاسها وهي تشاهد سحبا من الدخان تتصاعد من مرفأ هناك على الشاطئ تعالت سحب الدخان ومن تحتها لهبيَتوقَّدُ ويَتَوقَّد ٫حبس الناس أنفاسهم ووجهوا عدسات الكاميرات من هواتفهم موثقين صورا من سحب الدخان وألسنة النيران
والساعة تدق والثواني تتكلم بصوت مرعب
تسمع صداه في أرجاء الكون
و تمضي الثواني في عد عكسي
10 9….8…7 ،،،
كان تحت اللهيب المُتَّقد المتوهج،
بركان يغلي بأطنان من نترات الأمونيوم
تتفاعل مع بعضها وتشد قوسها وتُعمَّر مدفعيتها الثقيلة.
و ترى خلف الكوليس هناك خط فتيل النار
المشتعل يمضي في تسارع يسابق الزمن ،
يقترب منها-نترات الأمونيوم- يقترب أنه يقترب أكثر أوشك على الوصول الثواني يزداد
صوتها رعباً وبطئاً الزمن يتوقف أو يحاول الوقوف ، الثواني تمضي 6…..5…..
الشمس تهاجر للغروب ٫ السماء صامتة
،الغيوم مبعثرة البيوت هادئة في مساء معتاد من أمسيات بيروت .. المصورون والعدسات يحدثون أنفسهم:- هذا حريق عاديٌ وسحب الدخان ستتلاشى في الأفق قريباً وتستنشقها السماء في رئتها الزرقاء
........لكن
تك تك تك تك
الثواني تمضي الزمن يلتقط أنفاسه الأخيرة
محاولاً إيقاف الثواني مستميتاً كي يوقف نفسه ،الثواني لاتبالي
و بصوت أقوى وأكثر رعبا ….4…….3…….2
واحد…… صفر
ساعة الصفر المشؤومة
استسلم الزمن لنفسه وحانت ساعة الصفر .....
الساعة السادسة و٨ دقائق بتوقيت بيروت........
أطلق البركان صيحته بانفجار عظيم اهتزت له أركان بيروت
المنكوبة بأسرها ..وعلت سحابةُ دخان فوق الإنفجار المهول و أخذت تعلو وتعلو بسرعة هائلة ، مُشَكِّلةً حلقة دائرية كبيرة
فيما يُعْرَفُ (بِعُشِّ الغراب )
ذالك العُشُّ المرعب الذي يعود بالذاكرة
والزمن إلى هورشيما ونجازاكي في القرن المنصرم .
أما على الأرض فقد أخذ الإنفجار ما حوله وأخفاه
وكأنه يبتلعه ، وحطَّم البنيان وقلب المركبات
رأسا على عقب.
يا إلهي لقد كان انفجارا هائلا عظيما
شعر به سكان جزيرة قبرص،
ورصده مرصد الزلازل في الأردن .
بعد تلاشي رسمة عش الغراب في السماء ،
توالت ألسنةُ اللهب الثائرة،
والنيران التي تأكل بعضها وما حولها مُطْلِقةً
-أي النيران- سحبا رمادية مفترسة
من الدخان الكثيف والكثيف جدا ...
شَكَّلتْ بدورها سُحُباً من الحزن والأسى والألم ٫
وحجبت نور الشمس الآفلة
وقتلت سحباََ بيضاء بريئة
كانت تتأهب لترسم بريشتها رسمة
الشفق الأحمر الساحر ، الذي تحول
وصار شفقاً أسوداً حزيناً.
..
تفجر المرفأ وانحسرت أمواج البحر
ووقفت هي الأخرى وقفة ذهولٍ وحداد
لهول المشهد ..
يا لمساء بيروت الحزين
انفجر المرفأ وانطلقت معه انفجارات أخرى عظيمة في نفوس الأشقاء اللبنانين ، من بكاء على فقيد لا أثر له ورثاء لشهيد تفحم وأختفت معالمه
٫ وبكاء ونحيب على ألف جريح وجريح..
مأساةُ بيروت نداء من المرافئ والمخازن والمصانع
لدرء الكوارث قبل وقوعها.
مأساة بيروت هي نداء من الطبيعة وبصوت مبحوح لقلب الإنسان
( أيها الإنسان أرجوك توقف عن الدمار وكن مع الإعمار )
كارثة بيروت :-
مأساة الإنسان في صناعة المأساة..
د/جعفر الشنقيطي
المدينة
١٥/١٢/١٤٤١
انفجار بيروت ٤-اب أوغسطس ٢٠٢٠
إرسال تعليق